أين الله


(1)
أخبرتني فتاة ذات يوم أن أهلها هم خط دفاعها الأول وأنها لن تُعارضهم، وأن ذلك الجنون الذي تتمنى أن تعيشه حق أصيل لها، فكما تقول لي: “لن أعيش سوى مرة واحدة، ولكن كل هذا الجنون لن يتناسب مع مستقبل علاقتنا ولن يُناسب فكر أهلي”، حينها بقيت صامدًا، لم أهتز ظاهريًا، وعدتها أننى سأُعيد تقييم الموقف كله وربما قد أهتم بتفاصيله الدقيقة وسأغيرها بالتأكيد، وبعد مرور وقت طويل أخبركم سرًا مرعبًا بأنها كانت على حق! والسر الأكثر رعبًا أن الإنسان مهما فعل لا يتغير.
(2)
حين وقفت مع صديقي الذي اقتربت صداقتي معه على الدخول في عامها التاسع وطرحنا السؤال الفلسفي العميق: “هل البني آدم بيتغير؟”، كانت إجابتينا شبه مُتقاربة بأن لا أحد يتغير مهما فعل ومهما اجتهد، فقط مع تقدم العمر وزيادة الخبرات الحياتية فإن مداركنا تتسع وتنطلق آفاقنا إلى اللا حدود، يُصبح المرء أكثر قُدرة على التكيّف ولكنه لا يتغير أبدًا، فلا تُرهق نفسك كثيرًا في التغيُّر.
(3)
لست من أنصار التغيُّر في الشخصية لأجل من تُحب! أعتبرها تضحية كبيرة أن تُغيّر من شخصيتك، بخلاف أن كل ذلك يُهدد علاقتك كلها بكونها ستعاني من عدم الاستقرار في المستقبل، حين تبحث عن حبيبتك فابحث عمّن تُحب فعل ما تُحب بك أو بدونك، إن أردت من تُجيد لعب “بلاي ستيشن”، فاختر من تُجيد اللعب وتحبه معك وستمارسه بدونك، إن أردت من تُحب دخول السينما وحيدة، صدقني ستدخلها معك لأنها تُحب أن تفعل ذلك معك ولم يتعارض ذلك يومًا مع حبها لدخول السينما وحيدة لتبتاع لنفسها علبة “فيشار” كبيرة مع “كان كوكاكولا زيرو” من أجل الحمية الغذائية التي تتبعها.
(4)
وأنا في الثامنة من عمري، كنت مُغرمًا بما فيه الكفاية برجل المستحيل والمغامرين الخمسة والشياطين الـ 13 لأكتُب خطابَ تهديد إلى جارنا أُطالبه فيه بفدية قدرها عشرون ألفًا من الجُنيهات وإلا خطفت ابنه ذا الثلاث سنوات، وزينت الخطاب برقم تليفون زميل لي في المدرسة لم أحبه يومًا وألقيت بالخطاب أسفل باب العمارة، كان الخط طفولي بما فيه الكفاية ليُدرك الجميع أنها مزحة ثقيلة من أحد الأطفال في الشارع، بعدها بعدة أيام عرف الجميع القصة، الأمر لم يكن صعبًا على والدتي كي تدركه وهي التي تراني كل يوم مُنكبًا على قراءة روايات تتحدث عن نجاح المُغامرين الخمسة في الكشف عن سر اختطاف أحدهم إلخ، لم يتحدث معي أحد في ذلك الأمر أبدًا طيلة تلك السنوات، ولا أعتقد أن أحدًا عرف حقيقة تلك القصة حتى تلك اللحظة التي أكتب فيها تلك الكلمات والتي بالتأكيد ستصل إلى صديقي الذي هددته بالخطف يومًا ما، ولكن أعتقد أننا كبرنا بما فيه الكفاية لكي لا يُلقى علينا اللوم الآن على ما مضى.
(5)
حينما كُنا أطفالًا صغارًا – جيلنا تحديدًا – زُرع فينا حب فلسطين والرغبة في الصلاة هناك واعتبار إسرائيل هي العدو الأول والمُحتل الصُهيوني مُغتصب الأرض، جيلنا الذي تربى على رسم علم إسرائيل في كراسة الرسم ليحرقه في مظاهرة حاشدة في فسحة المدرسة، الذي ترحم على الشيخ المُناضل “أحمد يس” القعيد الذي استهدفته إسرائيل لتضرب المقاومة في مـ… عذرًا، ماذا قلت؟ نعم المقاومة، المقاومة المتمثلة في الحق الطبيعي لحمل السلاح ضد العدو المُحتل، المقاومة الفلسطينية المتمثلة في حماس بجناحها العسكري – كتائب القسام – التي تُكبد العدو إسرائيـ… عذرًا مرة أخرى، هل إسرائيل هي العدو؟ نعم إسرائيل هي العدو.
(6)
“الله كريم فلا تيأسي”، كانت تلك الجملة التي استفزت صديقتي الفلسطينية التي تعيش في القدس وأنا أهون عليها أثناء نقاش طويل حول الأوضاع الحالية، وقتها عددت لي ما يحدث في غزة وعدم تحرك الحكومة المصرية ولا الشعب المصري ضد كل ما يحدث، عددت لي كل الخسائر التي تضرب غزة والتي تضرب مختلف الفلسطينيين من سكان الضفة أو سكان الداخل، أخبرتني بيأس عن مقتل الأطفال والمجازر، “وين الله؟”.
حينها توقفت وسألت نفسي “أين الله؟”، هل هو حقًا موجود؟ وإن كان موجودًا، فهل لنا أن نراه لنتيقن من وجوده وشموله لنا برحمته وحمايته؟ أين الله من كل ما يحدث في غزة وفلسطين؟ سأخبرك سرًا، إذا أردت أن تستدل على وجود الله فانظر وتدبر في الماضي وابحث عن التنظيم والترتيب الدقيق لكل شيء، حينها ستجد الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماهي السادومازوشية فلسفياً ونفسياً؟

" منتصف آيار " .. غسان كنفاني

متن الأربعين النووية