لا يُعاب على القوي قوته


تنهش الضباع لحم الفريسة الأضعف لذا فلا يعاب عليك أن تكون ضبعًا مع الضباع، لا يُعاب أن تكون ندًا في عالم يأكل قويه ضعيفه، لكن يُعاب عليك أن تظل ضعيفًا لا تحاول أو تنتوي تربية أظافرك لتقاوم بها المعتدي عليك على الأقل وهو يأكلك.
****
طهران حاضرة
صرح علي رضا زاكاني مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني قائلًا: “صنعاء رابع عاصمة عربية تابعة لنا”.
بسيطرة أنصار الله (الحوثيين) على صنعاء بالطبع باتت رابع عاصمة يتردد فيها صدى أوامر المرشد الأعلى من طهران ويصدح فيها صوته معلنًا تمدد إمبراطوريته.
في الثلث الأخير من القرن المنقضي بعد الثورة الإيرانية دأب أبناء طهران على تحقيق طموحاتهم التوسعية لعودة الإمبراطورية الفارسية من جديد وبدأ الأمر في لبنان عام 82 بزرع حزب الله في الجنوب اللبناني مع الاجتياح الإسرائيلي آنذاك، وعام 2008 سيطر الحزب على بيروت بعد معارك ضارية غرب بيروت مع المعارضة اللبنانية وسيطرت طهران على لبنان – السياسي – بسيطرة الحزب.
وبانفتاح بشار الأسد على طهران بعد وصوله للسلطة خلفًا لوالده وتحالفه معها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ونشأة ما يُدعى بمحور الممانعة الذي يضم سوريا وإيران وبعض ما يُدعى أيضًا بحركات التحرر كحزب الله، باتت دمشق تحت المظلة الفارسية أيضًا.
بعد الاجتياح الأمريكي للعراق لم تُفلت طهران الفرصة وسارعت بحفظ نصيبها من قطعة الحلوى المنتهكة لتُشارك كلاعب أساسي في التقسيم بفيلق القدس الذي مهد بسيطرته العسكرية في العراق للسيطرة السياسية.
ومع انسحاب القوات الأمريكية بدأت طهران في السيطرة السياسية بأحزابها المدعومة والموالية لها التي تبوأت السلطة فيما بعد، لتندرج بغداد أيضًا في القائمة.
****
واشنطن تسيطر
صار الاستعمار العسكري جيلًا قديمًا من أفعال الاستغلال وفرض السيطرة.
عشرات البلدان والدول في شتى بقاع الأرض تسيطر عليهم الولايات المتحدة اليوم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا بطريقة أو بأخرى، إن لم يرُق لك مصطلح (السيطرة) فاستبدله (بالتحالف)، إن لم يكن ذلك التحالف في مجالاتٍ عِدة فمجال واحدٌ يكفي لتعرف أن تلك الدولة منبطحة على وجهها عارية لأمريكا على شواطئ ميامي، ونادرًا اليوم من لا يتحالف مع الولايات المتحدة.
بدلًا من إعلان العمالة والانقياد بسوط واشنطن صراحة أمام شعبك – الضرير – يمكنك أن تعلن تحالفك مع الولايات المتحدة ولن تجد أفضل من مصطلح الإرهاب للتحالف مع واشنطن ضده.
سبتمبر الماضي فتحت واشنطن باب الالتحاق بالتحالف – المزعوم – ضد تنظيم الدولة الإسلامية (الإرهابي)، لينضوي تحت راية ذلك التحالف علانيةً 40 دولة، هذا بخلاف الحكومات التي تكتمت عن مشاركتها أو تأييدها إما خوفًا من الانتقام أو لعدم إظهار مقاطع الانبطاح الإباحية لواشنطن أمام شعوبها.
تحالف واشنطن ضد (الإرهاب)، هذا إن اعتبرنا أن مجازر نظام الأسد تلك في حق شعبه ليست إرهابًا ولا تستدعي صاروخ توما هوك واحدًا موجهًا من الأسطول السادس الأمريكي الذي تتحفظ عليه حكومة السيسي في أعماق المتوسط أو اعتبرنا أيضًا على سبيل المثال وليس الحصر والتعديد لتلك الدولة أن التطهير العرقي لملايين الهنود الحمر في أرضهم لتنشأ دولة العدالة والحريات الجديدة دولة أمريكا على جثث الهنود الحمر لم يكن إرهابًا أيضًا.
****
الشاهد فيما سبق أنك لن تتمكن من فرض السيطرة بالحب.
ولأن الشريعة الحاكمة في عالمنا شريعة الغاب وبمعايير الواقع لا أحد يعيب على طهران وواشنطن تمددهما، كلاهما يدافع عن مصالحه وكلاهما يأكل الخصم قبل أن يأكله، ما دمت تستطيع التوسع والسيطرة فلا تتوقف.
***
في يونيو الماضي هدم تنظيم الدولة الإسلامية الحدود الفاصلة بين سوريا عن العراق وأعلن قيام ما وصفها بدولة الخلافة.
تنظيم الدولة يسيطر على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، ويمارس دوره كحكومة تُنظم وتُسير معايش الناس وجيشًا يحمي ويتوسع.
العديد من المآخذ والكثير من النقد لتنظيم الدولة لكن من الواضح أنه يتمدد ويُسيطر ومن الواضح أيضًا أنه قد أضر بمصالح أمريكا وحلفائها مما استدعى التحالف للحرب عليه.
بعيدًا عن الإعلام المُوجه والموالي فإن تنظيم الدولة فرض واقعًا جديدًا بالقوة يشملهم ويكونون فيه ندًا عنيفًا يهابه الغرب عبر الاصطدام به وبحلفائه بمحاربتهم واستنزافهم.
تنظيم الدولة الذي لم يتجاوز عمره عشر سنوات منذ تأسيسه على يد أبو مصعب الزرقاوي باسم جماعة التوحيد والجهاد والمنبثق فكريًا من تنظيم القاعدة الذي يتجاوز عمره أيضًا ربع قرن من الزمان تهابه واشنطن لأنه طرح أسلوبًا جديدًا في الصراع في التعامل مع خصمه هو التعامل كقوة تهاجم وتراوغ وتباغت.
رغم الانتقاد الشخصي لبعض أفعال التنظيم وما يقدمه على آلته الإعلامية لكن بعيدًا عن الانحياز وبنظرة واقعية، الآن فقط تستطيع أن ترى أمًا أمريكية تتوسل إلى أبي بكر البغدادي أمير التنظيم بعدم ذبح ابنها كما كنت ترى الشيوخ والآباء والأمهات والأطفال المسلمين والعرب يتوسلون إلى حكام أمريكا بالكف عن أمور عدة كالقصف العشوائي لمنازلهم الذي يحصد العشرات في ضربة واحدة، الآن فقط لم تصبح الاستغاثة حكرًا علينا وتستطيع أن ترى استغاثتهم أيضًا.
****
86 عامًا عمر جماعة من أكبر الجماعات والتنظيمات الفكرية والاجتماعية والسياسية في العالم هي جماعة الإخوان المسلمين.
وصلت الجماعة لسدة الحكم في مصر – مهد التنظيم ومرجعيته – قبل أن يدخلوا السجون بعدها بعامٍ واحد، في مذبحة من أكبر مذابح العصر قُتل الآلاف من أبنائهم في عدة ساعات لفض اعتصاماتهم الرافضة للانقلاب العسكري.
ظنت نُخب الجماعة وقادتها أن بنواحِهم المتكرر على منصات اعتصامهم في رابعة وتنديدهم بانتهاك مباديء الديموقراطية وحكم الصندوق من قبل قائد الانقلاب العسكري، سيثور الغرب لهم ويُقاطع قائد الانقلاب حتى يُعيد رئيسهم المنتخب الشرعي – ديموقراطيًا – ويسقط الانقلاب، هذا ما حدث ظنًا من قادة التنظيم بإنصاف الغرب لهم رغم معارضة فئة ليست بالقليلة من قاعدة الحركة تنظيميًا والعديد من المؤيدين لحراكهم المتعلق بالغرب وبطوق نجاته.
ظنوا ولكن بلا جدوى، فُضت اعتصاماتهم وقتل الآلاف منهم ولازال حراكهم السلمي الذي يفتقر للقوة الواقعية في الصدام والمواجهة مستمرًا مع نزيف دمائهم خاصةً ودماء مناصري حراكهم والمناهضين لحكم الجنرالات عمومًا بلا جدوى أيضًا.
هذا ما نراه واقعًا على الأرض، السيطرة لقائد الانقلاب – القوي – والقتل والاعتقال والتنكيل والانتهاك والاغتصاب لهم ولمن معهم.
ومازال حراكهم المعارض السلمي الذي يرى قادتهم أنه أقوى من الرصاص مستمرًا، وهذا المنهج متأصل في فكر الجماعة.
****
بالطبع لا يخفى على أحد أن الإخوان وتنظيم الدولة (أو التيار الجهادي عامةً) لكل منهما رغبةً جامعة في التحرر، لكن لكل منهما أيضًا نظرية مغايرة عن الآخر في التطبيق.
وهنا نطرح ثلاثة استفهامات:
1- من يهابه الغرب أكثر اليوم، تنظيم الدولة أم جماعة الإخوان؟!
2- 10 سنوات من الصدام المباشر والمواجهة العنيفة مع الخصم أم 86 عامًا من معارك الصناديق النيابية والنقابية ومواجهة الرصاص بهتاف الحناجر هم الأكثر تأثيرًا وتغييرًا على الساحة؟
3- من يُسيطر الآن على الأرض ويحكم، تنظيم يُقدر بخمسين ألفاً أم جماعة يُقدر عدد أفرادها وقاعدتها الشعبية ومناصروها بالملايين في شتى بقاع الأرض؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماهي السادومازوشية فلسفياً ونفسياً؟

" منتصف آيار " .. غسان كنفاني

متن الأربعين النووية