عالم أعور لا يرى إلا جرائم داعش


عندما رأيت العالم يحشد عدته وعتاده بقيادة الأمريكان ودعم غربي وتمويل من بعض الأنظمة العربية العميلة لخلق تحالف دولي قوي من أكثر من أربعين دولة في مواجهة إجرام (داعش) وإرهابها البغيض وتحديد شكل الشركة العالمية لمواجهة الإرهاب ظاهريًا بمديرها الأمريكي وموظفيها في صورة نمطية في تحديد مسؤليات ووظائف كل دولة من سيمول؟ ومن سيدرب؟ من سيضرب جوًا؟ ومن سينزل برًا؟ ومن سيحيد الخصوم والأعداء؟ ومن سيجنب ويصنف الفصائل المسلحة المعتدلة منها والمتطرفة؟
فتذكرت الدماء التي سكبت بين يدي سكبًا وكأنها أنهار تجري لتروي عطش التاريخ ومستقبل الأجيال وأنا أقف في المستشفى الميداني بعد جريمة العسكر في حادثة المنصة.
ثم تلتها مجازر الإجرام الانقلابي في رابعة والنهضة ورمسيس وسيناء وخلال عام كامل من الانقلاب العسكري الدموي في ظل صمت عالمي رهيب ودعم عربي وغربي للانقلابيين لمواصلة المجازر والمذابح وقتل حلم وأمل ومستقبل الأمة – شبابها الجميل – فذرفت عيناي على قيمة ومكانة الإنسان في عالمنا المعاصر والذي طالما تشدق بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
فأي إنسان يتحدثون عنه؟!
بالطبع ليس الإنسان العربي والمسلم.
ثم تتابع على ذهني مشاهد الأطفال السوريين مع جرائم بشار الأسد وبراميله المتفجرة وأشلائهم الممزقة والمسمومة بالغازات السامة مثل ما حدث في جريمة الغوطة الشرقية 21/ 8/2013.

ولم يحرك العالم ساكنًا وكأن أطفالنا ليسوا من جنس أطفال العالم وهذا الصمت العالمي الرهيب جعل بشار يكسب الوقت والأرواح ليصبح رقمًا صعبًا في معادلة الثورة السورية.
ثم أردفني التاريخ بمذبحة سربرنيتسا والتي شهدتها البوسنة والهرسك عام 1995، على أيدي القوات الصربية بصمت عالمي أمريكي وغربي.
والتي قال عنها الكاتب البريطاني الأشهر روبرت فيسك في الإندبندنت أنه تم اغتصاب 20000 امرأة بشكل جماعي ولم يحرك الغرب ساكنًا لمنع هذه الأعمال الوحشية.
والتاريخ بمرارته قاسيًا لكن الواقع المعايش أشد ألمًا وكمدًا فالعالم جميعًا يغض الطرف عن جرائم مليشيات الشيعة في العراق، فهناك أكثر من 50 ميليشيا شيعية تقوم بتجنيد الشباب والقتال في العراق، مثل كتائب حزب الله، وهي ميليشيا تشكلت بمساعدة من حزب الله اللبناني في 2007، ومنظمة بدر هي جماعة مسلحة وإحدى عملاء إيران الأساسيين في العراق، وهي دعامة أخرى لجهود طهران في تطوير الميليشيات الشيعية، خلال حرب العراق.
شارك فيلق بدر في القتال في سوريا، وأنشأ قوة “الشهيد باقر الصدر” لهذا الغرض، و عصائب أهل الحق، وكيل إيراني آخر في العراق، بدأت المجموعة خلال حرب العراق كمجموعة منشقة عن جيش المهدي الذي يقوده مقتدى الصدر ومدعومة من إيران، وفي بداية 2014، بدأت بالانتشار في محافظة الأنبار المضطربة في العراق لمحاربة السنة المعارضين للحكومة، وأقدم الميليشيات الشيعية التي قاتلت بجوار نظام بشار المجرم، هو لواء “أبو الفضل العباس” الذي لعب دورًا رئيسيًا في تعزيز فكرة نهاية الحدود، لكن صلاتهم بإيران تؤكد سلطة طهران عليهم.
واعتداء الجيش الصهيوني المتكرر على أهل فلسطين عامة وغزة خاصة حتى أصبح أن كل عام أو اثنين يقوم الصهاينة بحرب تقصف أرواح الأطفال والنساء آخرها الحرب الأخيرة والتي سميت إعلاميًا بالعصف المأكول.
والتي راح ضحيتها أكثر من 500 طفلًا و300 امرأة وأكثر من ثلاثة ألاف طفلًا مصابًا ثلثهم يبقى بإعاقة دائمة.
وأين العالم مما يحدث من تمييز عنصري رهيب ضد مسلمي الصين بحيث تتدخل السلطات الصينية في عبادات مسلمي الصين حيث تحظر الصيام على موظفي الحكومة من أبناء المسلمين وتقتحم المدارس ذات التعليم الديني ومعاهد تدريس القرآن في تركستان الشرقية؟
وما مسلمين ميانمار منا ببعيد!
حيث تتعرض فيها الروهينجا المسلمة لأبشع صور الإبادة الجماعية من قتل وحرق وتشريد في مجازر بث مباشر أمام سمع وبصر العالم المعاصر.
وما إن نظرت إلى خريطة العالم إلا وجدت جرحًا نازفًا ودماءً تسيل في كل بقعة من بقاع الأرض يقطنها مسلمون والعالم شاهد لكن شعاره الحقيقي لا أسمع لا أرى لا أتكلم.
فانظر لغرب أفريقيا ووسطها وما فيها من جروح وآلام، وبورما والتبت كلها أحزان، وتيمور والبلقان وأفغانستان والصومال وسائر البلدان تغط في الدماء والأشلاء.
إلى متى هذا الصمت العالمي على الجرائم التي تحدث للإنسانية؟
ولمصلحة من يترك العالم ما صنعه بيديه ليخطف أرواح البشر ومستقبل أجياله؟
وإلى متى هذا التمييز في الإنسان والدماء؟!
فهناك إنسان في هذا العالم يساوي ألفًا من بعض البشر وهناك دماء رخيصة لا ثمن ولا قيمة لها ودماء عزيزة غالية فقتل رجل في غابة جريمة لا تغتفر وقتل أمة مسألة فيها نظر، فمبدأ الخيار والفاقوس هو مبدأ العالم اليوم في التعامل مع الإنسان عامة والدماء خاصة فهناك تمييز واضح وجلي لكل ذي عينين أن القوى العالمية لا ترى في الإنسان إلا ما تراه هي بعين واحدة دون العين الأخرى في عوار واضح يملؤه التمييز والتفريق بين الإنسان الأفريقي والأسيوي وبين الإنسان الأمريكي والأوروبي، وحتى ليس كل الأمريكي ولا كل الأوروبي فهناك تمييز يميل ناحية دون الأخرى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماهي السادومازوشية فلسفياً ونفسياً؟

" منتصف آيار " .. غسان كنفاني

متن الأربعين النووية