بالتأكيد لم تنتصر حماس (2-2): الأوضه فيها فيل
(الفيل في الغرفة) مثل إنجليزي شهير عن ذلك الفيل المتواجد معنا بالغرفة ذاتها، ونشعر به معنا يقيد حركتنا، لكننا قررنا جميعًا أن ننكر ونتجاهل وجوده، في غرفة الحركات الإسلامية في المشرق العربي قرر الجميع تجاهل فيل “المرجعية”، فالحركات الإسلامية في بلادنا قررت على الدوام تجاهل كل ما يتعلق أو يتصل بالمرجعية، فأسئلة هامة عن موقفهم من الدولة القومية الحديثة، أو الحاكمية يتم التعامل على أنها غير موجودة، و”سفسطة” لا لزوم لها.
وباعتبار حماس امتداد طبيعي وشرعي للتيار الإسلامي القطري، فإنها تملك “فيلها” الخاص، حيث تعاني حماس من إشكالية كبرى في حسم موقفها من الكيان الصهيوني، الأمر الذي يعرقل دائمًا وضع استراتيجية واضحة المعالم نحو تحرير التراب الفلسطيني.
قد يفاجئك مثلاً أن يعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الذكرى الـ ٢٥ لتأسيس الحركة – ربع قرن- والذكرى السابعة لصعود حماس لسدة الحكم بأن الحركة “بدأت في إعداد استراتيجية للتحرير”!! لماذا كل هذا الانتظار والتباطؤ؟
هذا السؤال يقودنا مره أخرى لأزمة “الفيل”، وهو كيف تربط حركة حماس بين أيدلوجيتها الرافضة للكيان الإسرائيلي جملة وتفصيلاً، ووجودها في المجتمع الدولي سواء (كحركة مقاومة شرعية، أو كسلطة رسمية ممثلة للشعب الفلسطيني).
فمنذ اليوم الأول لنشأتها وفلسفة الحركة تقوم على عدم الاعتراف بما يسمى بدولة إسرائيل، والتعامل معها ككيان غاصب محتل، يتكون من مغتصبين “لا مواطنين”، وفي هذا السياق أتت العمليات الاستشهادية داخل الخط الأخضر خلال سنوات الانتفاضة وما تلاها، كتطبيق عملي لعدم الاعتراف بشرعية الكيان، ولا بحق مستوطنيه في أن ينعموا بالأمن في أراضينا المحتلة.
من الناحية النظرية لم تتغير قناعات الحركة (باستثناء تصريح هنا أو هناك لبعض قيادات المكتب السياسي عن إمكانية التفاوض المباشر مع إسرائيل وهو ما يتضمن اعترافًا ضمنيًّا بالكيان الصهيوني).
لكن على أرض الواقع، ومنذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، مرورًا بانفصالها بقطاع غزة عام 2007، مرت الحركة التي أصبحت سلطة حاكمة (على الأقل في قطاع غزة) بتحولات ملحوظة في هذا السياق، فالحركة التي رفضت منذ اليوم الأول الاعتراف بأوسلو وما ترتب عليها أصبح عليها أن تدير معركة ضد الحصار الغاشم الذي فرضته عليها إسرائيل ومصر.
ومع التخاذل الرسمي والعجز الشعبي العربي أصبحت حماس تعتمد في معركتها لكسر الحصار على “لا إنسانية الحصار”، وعلى “ضمير أحرار العالم” والذين غالبًا ما يكونون مؤمنين بحق إسرائيل في الوجود، الأمر الذي دفع بالحركة إلى إعادة صياغة خطابها السياسي والإعلامي ليتركز بالأساس على حق الشعب الفلسطيني في الوجود والبقاء، وحقه في المقاومة (على أساس أن إسرائيل لم تفِ بالتزامات أوسلو) مع التخفيف من اللهجة العدائية تجاه “المدنيين الإسرائيليين”.
في هذا السياق يمكن فهم بيانات القسام التي كانت تحذر المدنين الصهاينة من التواجد في مناطق معينة، كي لا يكونوا عرضة للإصابة بصواريخ المقاومة، وأيضًا يمكن فهم لماذا تأخرت العمليات داخل الخط الأخضر في المعركة الأخيرة.
حماس الحركة المقاومة التي تحولت إلى سلطة حكم في القطاع، أصبح لزامًا عليها أن تضمن أمن إسرائيل خلال فترات الهدن (في بعض الأحيان أدى ذلك إلى صدام مع بعض حركات السلفية الجهادية مثل حادثة مسجد ابن تيميه 2008)، بالإضافة إلى ذلك لا تستطيع حماس أن تبادر إلى دخول معركة مع إسرائيل؛ لأن ذلك سينعكس سلبًا على التعاطف الدولي مع قضية القطاع المحاصر.
هذا التوجه بالطبع لم يخلُ من منافع، فقد تضافر مع مجهودات حقوقية دولية ساهمت في تحقيق تغير ملحوظ في تصور الغرب عن القضية الفلسطينية، الأمر الذي توج بإصدار قرار توقيف بريطاني بحق تسيبي ليفني (رئيسة الوزراء الإسرائيلية أثناء العدوان على غزه 2008- 2009).
ولكن للأسف ونظرًا لغياب الحسم، لم يتم استغلال هذا الزخم في إحداث نقلة نوعية في مسار القضية الفلسطينية، وظلت التحركات الدولية والتظاهرات المنددة حصرية في أوقات الصراعات العسكرية، فحماس لم ترد أن تكبلها العلاقات الدولية بالتزامات تتضارب مع أيدلوجيتها، ولكنها بذلك تخسر مساحات واسعة في الضغط على إسرائيل، أي أن حماس غير قادرة على تطوير استراتيجية تساعدها على الجمع بين السلطة والمقاومة، ولا هي قادرة على إكمال طريق النضال السلمي إلى آخره، وتحمل تبعاته داخليًّا وخارجيًّا.
هذا التذبذب لا يستفيد منه إلا إسرائيل ووكيلها في الضفة الغربية عباس, فإسرائيل مستمرة في مشروعها الاستيطاني في الضفة، مع حصار خانق للقطاع، وضربات إجهاضية للمقاومة على فترات متباعدة، تعقبها فترات من التهدئة تصبح فيها حماس مسئولة أمام العالم عن عدم خرقها.
أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية فهي سعيدة باحتكارها للتمثيل الدولي للقضية الفلسطينية (الورقة السياسية الوحيدة التي تبقي على شرعية السلطة)، وهو التمثيل الذي يضر القضية أكثر مما ينفعها (ترفض السلطة إلى الآن اتخاذ خطوات لملاحقة نتنياهو قضائيًّا، رغم اتخاذ قرار بذلك من كل الحركات والمنظمات الفلسطينية، بما فيها حركة فتح).
كلما تجددت المعارك بالقطاع المنهك من الحصار، وأذهلنا صمود وصبر أهل القطاع، وبسالة المقاومة، ثم نرى بعد ذلك ما تتمخض عنه المفاوضات، والركود السياسي الذي يهيمن على سنوات التهدئة، والتي غالبًا ما يتم استغلالها في تسويق انتصار مبتور، وإخفاء عيوب توشك أن تبتلع القضية بأسرها، تقفز إلى الأذهان كلمات رضوى عاشور في ثلاثيتها الشهيرة “المشكلة يا ولدي أن قادتنا كانوا أصغر منا، كنا أكبر وأعفى وأقدر، ولكنهم كانوا القادة، انكسروا فانكسرنا”.
لقراءة الجزء الأول من المقال من هنا
كريم محمد
|| https://www.facebook.com/karim.m.kamal.5
تعليقات