الطريق إلي داعش .. 1
تبدأ القصة هناك في جبال تورا بورا في كهوف أفغانستان الوعرة. تبدأ حين بدأ فصل جديد من الصراع بين الإسلام ومحتل أتى ليعين ذراعه الداخلي في إحدى الدول الإسلامية الذي أذاق الشعب سوء العذاب.
بل القصة تبدأ في مرحلة أبعد من هذه، حينما سقط الحكم العادل في بلاد المسلمين وحينما لم تعد هناك قوة يحوطها العدل والرحمة في بلاد سميت إسلامية وحينما أصبح الميزان في يد الدول اللادينية أو الملحدة أو أصبح في يد الدول التي لا تؤمن بأن للدين قول في الحياة.
هنا بدأت القصة وهنا بدأ المسلمون رحلة البحث عن الإمام العادل والذي له في الشرع وصف وحكم تجده الأقل في مطالب الشعوب الإسلامية المحرومة، فالمحروم من اللحم يقبل به كبيرًا يُمضغ بشيء من الصعوبة أو يقبل به مثلجًا ماسخ الطعم لأنه فقط يريد أن يرى لحمًا ويشم رائحته ويطعم منه حتى بالقليل.
فلذلك تقدم في التاريخ بعض الشخصيات على أنها القدوة المثالية، وهم في الحقيقة عند التحقيق والحكم السليم ليسوا كذلك، وربما حدث في عهد بعضهم فتوحات إسلامية والتي ربما ينظر هو إليها على أنها اتساع لرقعة النفوذ لحكمه ويسوقها له بعض العلماء على أنها فتح إسلامي.
أما علماء السلطان فيسوقوها للناس على أنها الفتح المبين، رغم أنك تعلم أن الحجاج بن يوسف له فتوحات وبصمات لكنها بصمات لا تكاد تراها العين أمام بحار الدم المهدر في عهده بغير وجه حق وأمام فساده واستباحته ما حرم الله من ظلم وقهر وقتل، لكن يصر البعض على التزوير فكتب أحدهم كتابًا أسماه: “الحجاج بن يوسف المفترى عليه”.
أي والله المفترى عليه ثم راح يبحث كحاطب ليل عن أي فتات ينقذ به الحجاج لكن كيف ينقذ الحجاج من عقول وعت ما فعل وتعلم جيدًا الفرق بين الذهب الخالص والذهب المغشوش الذي يحاول البعض أن يرضي به من يريد التحلي بالرخيص فيغري به عيون الجاهلين.
ونعود للقصة الأفغانية التي ستكون سببًا في خروج داعش لنا في هذا الوقت وهي القصة التي تكررت ومازالت تتكرر، ولربما تعجب من أن فصول المسرحية كما هي فقط تتغير الأسماء كلما قدم عرض للمسرحية في قرن جديد أو في زمن آخر غير الزمن الأول الذي قدمت فيه.
سنتجاوز هنا حكم حبيب الله خان ثم ولده أمان الله خان ونأتي إلى حكم محمد نادر خان.
بمجرد وصوله إلى الحكم ألقى القبض على باجي السقا، وأعدمه شنقًا، ومضى في إصلاح البلاد مما أصابها، فقضى على الرشوة والفساد، وأعفى من إدارة البلاد الذين عرفوا بفسادهم، ولكنه قُتل على يد أحد الأبناء الذين شملهم الإعفاء عام 1352هـ، ولكن أيضًا كان سبب اغتيال محمد نادر خان أو نادر شاه هو ثورة القبائل عليه التي اتهمته القبائل البشتونية بالانحلال والفساد والدعوة إلى السفور والتغريب، حين اتبع طريق مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة رغم أن سبب استقالة محمد نادر خان من منصب سفير أفغانستان في فرنسا وقت حكم أمان الله خان كان انحلال وفساد أمان الله خان، وما نتج عنه من صعود باجي السقا إلى الحكم بعد ثورة الشعب على من أراد تغريبهم عن دينهم وعقيدتهم قسرًا وحربًا.
وهنا وقفة لكل من يريد الإصلاح ومحاربة الفساد أن يعلم أن القوى الاستعمارية الكبرى في الخارج والقوى الفاسدة المستفيدة في الداخل لن تترك الإصلاح يمر إلا إذا أسس نظامًا قابلًا للحياة لا يهتم بموت واحد أو حياته بل يستمر مع أي أحد لديه النية والقوة في الإصلاح ومن خلفه شعب يراقب ويحاسب وله سلطة لا يستطيع الحاكم أن ينظر إليها بعين الاحتقار أبدًا، وإلا سيكون الخلف هو الانهيار التام بعد تلك المحاولة الناجحة للقيام والصعود.
وبعد اغتيال حبيب الله خان القائد السابق للجيش والسفير الأفغاني لدى فرنسا والذي كان سببًا في استقرار أفغانستان لفترة من الزمن، تسلّم بعده ابنه محمد ظاهر شاه، والذي كان صغيرًا في السن (19 عامًا) ومحاطًا برجال أبيه، فسارت البلاد بشكل طيب لمدة 15 عامًا، عمل ظاهر شاه في العقدين الأولين من حكمه، على تقريب وجهاء العشائر والقبائل الأفغانية، ونعمت أفغانستان باستقرار وأمن لم تشهد مثلهما في ما بعد أو حتى في السنوات التي سبقت حكمه، وكانت فترة حكمه في الخمسينيات والستينيات فترة انتعاش اقتصادي لأفغانستان لم يسبق لها مثيل، ودعم التعليم وشجعه بقوة وأمر ببناء المدارس في جميع أنحاء البلاد، وفي عهده بنيت العديد من المطارات مثل مطار كابل الدولي ومطار قندهار الدولي والعديد من المطارات الأخرى في جميع أنحاءالبلاد، وافتتح في عام 1967 حديقة حيوانات كابل.
غير أن أول أزمة واجهت استقرار أفغانستان في ظل حكمه، هي وقوفه مع الهند ضد عضوية باكستان في الأمم المتحدة عام 1947 ومناداته بدعم هندي وسوفييتي آنذاك لسلخ إقليمي بيشاور وبلوشستان الباكستانيين عن الدولة الجديدة وضمهما إلى أفغانستان على أساس أنهما جزء من أرض البشتون التاريخية، وهي مسألة جعلت من علاقات باكستان مع الملك الأفغاني الراحل غير مستقرة وتقوم على الشك والريبة طوال فترة حكمه التي شهدت محاولات دعم منه للجماعات الانفصالية في باكستان.
وكان من آثار ذلك تبني حكومة ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق كلًا من قلب الدين حكمتيار وبرهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود ودعمهم.
ولكن يبدو أن كثيرًا من حكام هذه المنطقة وتلك الشعوب لا يدركون حقيقة تأثير العقيدة الإسلامية في نفوس كثير من الناس وأنهم يظنون أن حكمهم لن ينجح إلا إذا خطا الغرب نحو الابتعاد عن تأثير الدين في الحياة العامة ثم الابتعاد بالكلية عن كل مظاهره، وأن البلاد لن تقوم لها قائمة إلا في ظل حكم بعيد بل ويعادي عقيدة وشريعة تلك الشعوب، ولا يدركون حقيقة مهمة وهي أن الاستهزاء بهذه العقيدة ومعاداتها تعني الحرب الصريحة والمعلنة بين الحاكم والشعب حتى لو قدّم ما قدم فالعقيدة أغلى.
وللأسف كما لو أن الحكام لا يستطيعون أن ينهضوا بإمكانياتهم ومواردهم والقوة التي يملكون مع وجود العقيدة وكما لو أنه إما أن تكون العقيدة مصدرًا للتلاعب والتزاوج مع السلطة كما في القرون الوسطى أو مصدرًا للإلهاء والمظاهر الكاذبة كما في الحياة العلمانية الحديثة.
وكما لو أنهم عجزوا جميعهم حتى الآن على النهوض ببلدانهم بدون الحاجة إلى إملاءات الشرق أو الغرب رغم وجود النماذج التي فعلت مثل هذا حتى ممن يحاول هؤلاء أن يقلدوهم أو يمارسوا في حقهم طقوس الرضى السامي.
كانت المرحلة الثانية في حياته مرحلة التوتر مع العلماء والشيوخ في أفغانستان في ظل التحول الفكري الذي طرأ على الملك الشاب في ذلك الوقت، وعقده مؤتمرًا صحافيًا عام 1953 وهو يحمل حجاب امرأة أفغانية في يده وألقاه تحت قدميه قائلًا: “انتهى عهد الظلام”.
وبدأ حملة تغريب في المجتمع، فاتحًا المجال للقوى اليسارية للعمل في أفغانستان، وبدأت الكثير من الشخصيات الأفغانية التوجه نحو الفكر الماركسي كما حدث مع كل من محمد نور تراقي وحفيظ الله أمين وأناهيتا راتب زادة وغيرهم من قيادات الحزب الشيوعي الأفغاني بجناحيه برشم وخلق.
وبدأ حملة تغريب في المجتمع، فاتحًا المجال للقوى اليسارية للعمل في أفغانستان، وبدأت الكثير من الشخصيات الأفغانية التوجه نحو الفكر الماركسي كما حدث مع كل من محمد نور تراقي وحفيظ الله أمين وأناهيتا راتب زادة وغيرهم من قيادات الحزب الشيوعي الأفغاني بجناحيه برشم وخلق.
ونجحت التيارات الشيوعية في الوصول إلى البرلمان في عهده فعملت على تقوية العلاقة مع الاتحاد السوفييتي، وتقديم السردار محمد داود، وكان من هذا تعيين محمد داوود ابن عمه وزوج أخته رئيسًا للوزراء ووزير الداخلية والدفاع عام 1953 م، وهنا دخلت أفغانستان مرحلة جديدة من الصراع بين التيار الإسلامي الذي يعبر عن الشعب الأفغاني كعقيدة وبين التيار الوارد من موسكو وهو التيار الشيوعي المعادي للدين والذي سيحاول حكم البلاد بالحديد والنار كالعادة الشيوعية عند الوصول إلى مقاليد الحكم والسلطة.
تعليقات