الدعوة إلى الله ليست بين المسلمين
الدعوة إلى الله عز وجل فريضة شرعية أوجبها الله على كل مسلم اتساقًا
منه مع فطرته والتزامًا منه نحو دينه الذي يتمسك به ويتعبد إلى الله
بالتزام تعاليمه، ولكن السؤال هل الدعوة إلى الله التي نص عليها الشرع هي
بين المسلمين أم هي التزام من المسلمين تجاه غيرهم من غير المسلمين؟
لقد تحدثت في مقال سابق (مقال الفك والتركيب) عن أهمية إعادة بناء بعض – ليس كل– المصطلحات والمفاهيم والأفكار، والتي أشارت الأحداث إلى إشكاليات واضحة في تناولها وذلك عن طريق فكها وإعادة تركيبها أو صياغتها والبحث في مدلولها من جديد.
الدعوة إلى الله عز وجل كما فهمت من الآيات والأحاديث هي خاصة بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، أما ما يخص المسلمين فيما بينهم فقد تحدث الشرع عن ما يقارب عشرة مصطلحات أساسية ليس من بينهن الدعوة إلى الله.
وباستعراض الآيات القرآنية التي تتحدث عند الدعوة إلى الله نجدها كالآتي:
– قوله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (سورة النحل: 125).
– قوله تعالى: ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين (القصص: 87).
– قوله تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (سورة يوسف: 108).
– قوله تعالى: ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين (فصلت: 33).
وهي آيات صريحة جدًّا في أن الدعوة إلى الله لغير المسلمين لإنقاذهم من الشرك والكفر، ولذا نجد أن نهايات الآيات تتعلق بالمفاصلة بين المسلمين والمشركين أو المهتدين والضالين.
على الجانب الآخر نجد أن الآيات والأحاديث التي تحث المسلم على دعوة أخيه وإرشاد المسلمين فيما بينهم للحق والعدل والمعروف قد أخذت مصطلحات كثيرة أخرى ليست من بينها الدعوة إلى الله، فنجد تلك المصطلحات مثل التذكرة- النصيحة – الدعوة إلى الخير – الدعوة إلى الهدى – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – التواصي بالحق – التعليم – الإنذار – البلاغ – البيان – الوعظ.
وقد جاءت الآيات والأحاديث التي تتحدث عن ذلك كالتالي:
– قوله تعالى: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (الذاريات:55).
– وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
– كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
– قال تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
– قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ
– ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين (المائدة : 67)
– ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ( (التوبة : 122 )
– أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا”.
– وفي سنن ابن ماجه قولُ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم: «من علَّم علمًا فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل شيء».
– قوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي وصححه الألباني في “صحيح الترمذي”.
– قال صلى الله عليه وسلم: «نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، وحفظها، وبلغها» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
– روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دلَّ على خير، فله مثل أجر فاعله» رواه مسلم.
– عن تميم بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه البخاري ومسلم.
هذه بعض من الآيات والأحاديث التي وردت في بيان معنى الدعوة أو النصح بين المسلمين وهو أمر واضح وجلي في معانيها ومرادها، وحتى يتضح المعنى أكثر فهناك آية وحديث يوضحان الفرق بأمر جلي لا يحتمل اللبس.
– قال تعالى: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا. وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا (الأحزاب : 45- 46)
– عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» متفق عليه.
فقد أوضحت الآية وظيفة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهي الشهادة والبشارة والإنذار والدعوة إلى الله والسراج المنير وهو أمر يوضح اختلاف كل وظيفة عن الأخرى ومنها بالطبع الدعوة إلى الله.
وقد فرق الحديث بين وظيفة الدعوة حيث قال ادعوهم إلى عبادة الله عز وجل فإن هم قبلوا ذلك فلم يقل النبي ادعوهم ولكن قال أخبرهم بالصلاة والزكاة.
بعد هذا الاستعراض السريع يأتي السؤال الأهم والمحور وهو وما الفائدة الحاصلة أو المرجو من معرفة هذا المعنى؟
إن الصورة الذهنية لمن يقوم بالدعوة إلى الله عز وجل تجعل هناك نوع من الفوقية لدى الداعي إلى الله وهي حاصلة بالتأكيد، فلولا معرفة الداعي أن ما معه من دين أو حق أسمى مما مع المدعو لما دعاه إليه، وحتى وإن حاول الداعى كتمانها أو التغلب عليها فإنه غالبًا ما يفشل وخاصة مع تكرر ذلك العمل واعتياده، فيشعر الداعي أنه الحريص على دين الله والموكل بحفظه، ولذلك فهو يشعر أنه أحد عوامل النصر في الأرض دون غيره، وبمرور الأيام والأعوام يزداد ذلك الشعور لدى الداعي حتى يتوحد مع نفسه لعلمه أنه أحد الذين يتكلمون باسم الله على الأرض وأنه ممن يحملون الحق، ولولاه لخربت الأرض وعم الكفر في ربوعها، وهو أمر غير متوفر مع غير المسلمين حيث إن الفاصل بينهم حقيقي وواضح بالإسلام.
أما المصطلحات الشرعية الأخرى التي أبرزها القرآن فهي توضيح أن المسلم غير مسئول عن غيره إلا بمقدار الوعظ والتذكرة ثم الانصراف، فتجعل بذلك المجتمع على قدم المساواة، ومن منا لا يحتاج إلى الذكرى والوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبلاغ والتعليم، فالجميع يحتاج إلى ذلك، ولكن لا أحد يملك التحدث باسم الله والدعوة إليه لأننا بالطبع جميعًا مسلمون وقد التزمنا طريق الله، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حين قتل الرجل الذي أسلم لتوه في المعركة ظانا أنه قالها تقية من القتل “هل شققت عن قلبه” نعم إنها عظمة الإسلام أن لا يملك أحدًا الشق عن القلوب ومعرفة المستور إلا الله عز وجل، أما في حالة الدعوة إلى الإسلام فهو أمر واضح لجميع المسلمين من على هدى ومن على الضلالة.
لقد درسنا السيرة النبوية وعصور الخلافة وما بعدها ولم نر منهم أحدًا قد اتصف بصفة الداعية بين المسلمين، ولكن كانت الذكرى والنصيحة والموعظة هي الأصل المتداول بينهم، وكان هناك العلماء الذين يستفتونهم الناس ويفتونهم، ويتخولون الناس بالموعظة، ويبثون فيهم العلم النافع، و يزكونهم.
كما أننا لم نعرف عنهم أن هناك طرق حلزونية ولولبية يسلكها أحدهم بدعوى الدعوة، وخاصة إذا كان ذلك بين المسلمين، إن الإيمان الذي في قلوب المسلمين يحتاج إلى من يوقظه بين الفينة والفينة بالموعظة والتذكرة ثم ينصرف كل منهم في حال سبيله، ولا سلطان لأحدهم على الآخر.
أمجد أبو العلا
لقد تحدثت في مقال سابق (مقال الفك والتركيب) عن أهمية إعادة بناء بعض – ليس كل– المصطلحات والمفاهيم والأفكار، والتي أشارت الأحداث إلى إشكاليات واضحة في تناولها وذلك عن طريق فكها وإعادة تركيبها أو صياغتها والبحث في مدلولها من جديد.
الدعوة إلى الله عز وجل كما فهمت من الآيات والأحاديث هي خاصة بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، أما ما يخص المسلمين فيما بينهم فقد تحدث الشرع عن ما يقارب عشرة مصطلحات أساسية ليس من بينهن الدعوة إلى الله.
وباستعراض الآيات القرآنية التي تتحدث عند الدعوة إلى الله نجدها كالآتي:
– قوله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (سورة النحل: 125).
– قوله تعالى: ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين (القصص: 87).
– قوله تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (سورة يوسف: 108).
– قوله تعالى: ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين (فصلت: 33).
وهي آيات صريحة جدًّا في أن الدعوة إلى الله لغير المسلمين لإنقاذهم من الشرك والكفر، ولذا نجد أن نهايات الآيات تتعلق بالمفاصلة بين المسلمين والمشركين أو المهتدين والضالين.
على الجانب الآخر نجد أن الآيات والأحاديث التي تحث المسلم على دعوة أخيه وإرشاد المسلمين فيما بينهم للحق والعدل والمعروف قد أخذت مصطلحات كثيرة أخرى ليست من بينها الدعوة إلى الله، فنجد تلك المصطلحات مثل التذكرة- النصيحة – الدعوة إلى الخير – الدعوة إلى الهدى – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – التواصي بالحق – التعليم – الإنذار – البلاغ – البيان – الوعظ.
وقد جاءت الآيات والأحاديث التي تتحدث عن ذلك كالتالي:
– قوله تعالى: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (الذاريات:55).
– وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
– كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
– قال تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
– قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ
– ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين (المائدة : 67)
– ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ( (التوبة : 122 )
– أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا”.
– وفي سنن ابن ماجه قولُ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم: «من علَّم علمًا فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل شيء».
– قوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي وصححه الألباني في “صحيح الترمذي”.
– قال صلى الله عليه وسلم: «نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، وحفظها، وبلغها» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
– روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دلَّ على خير، فله مثل أجر فاعله» رواه مسلم.
– عن تميم بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه البخاري ومسلم.
هذه بعض من الآيات والأحاديث التي وردت في بيان معنى الدعوة أو النصح بين المسلمين وهو أمر واضح وجلي في معانيها ومرادها، وحتى يتضح المعنى أكثر فهناك آية وحديث يوضحان الفرق بأمر جلي لا يحتمل اللبس.
– قال تعالى: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا. وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا (الأحزاب : 45- 46)
– عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» متفق عليه.
فقد أوضحت الآية وظيفة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهي الشهادة والبشارة والإنذار والدعوة إلى الله والسراج المنير وهو أمر يوضح اختلاف كل وظيفة عن الأخرى ومنها بالطبع الدعوة إلى الله.
وقد فرق الحديث بين وظيفة الدعوة حيث قال ادعوهم إلى عبادة الله عز وجل فإن هم قبلوا ذلك فلم يقل النبي ادعوهم ولكن قال أخبرهم بالصلاة والزكاة.
بعد هذا الاستعراض السريع يأتي السؤال الأهم والمحور وهو وما الفائدة الحاصلة أو المرجو من معرفة هذا المعنى؟
إن الصورة الذهنية لمن يقوم بالدعوة إلى الله عز وجل تجعل هناك نوع من الفوقية لدى الداعي إلى الله وهي حاصلة بالتأكيد، فلولا معرفة الداعي أن ما معه من دين أو حق أسمى مما مع المدعو لما دعاه إليه، وحتى وإن حاول الداعى كتمانها أو التغلب عليها فإنه غالبًا ما يفشل وخاصة مع تكرر ذلك العمل واعتياده، فيشعر الداعي أنه الحريص على دين الله والموكل بحفظه، ولذلك فهو يشعر أنه أحد عوامل النصر في الأرض دون غيره، وبمرور الأيام والأعوام يزداد ذلك الشعور لدى الداعي حتى يتوحد مع نفسه لعلمه أنه أحد الذين يتكلمون باسم الله على الأرض وأنه ممن يحملون الحق، ولولاه لخربت الأرض وعم الكفر في ربوعها، وهو أمر غير متوفر مع غير المسلمين حيث إن الفاصل بينهم حقيقي وواضح بالإسلام.
أما المصطلحات الشرعية الأخرى التي أبرزها القرآن فهي توضيح أن المسلم غير مسئول عن غيره إلا بمقدار الوعظ والتذكرة ثم الانصراف، فتجعل بذلك المجتمع على قدم المساواة، ومن منا لا يحتاج إلى الذكرى والوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبلاغ والتعليم، فالجميع يحتاج إلى ذلك، ولكن لا أحد يملك التحدث باسم الله والدعوة إليه لأننا بالطبع جميعًا مسلمون وقد التزمنا طريق الله، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد حين قتل الرجل الذي أسلم لتوه في المعركة ظانا أنه قالها تقية من القتل “هل شققت عن قلبه” نعم إنها عظمة الإسلام أن لا يملك أحدًا الشق عن القلوب ومعرفة المستور إلا الله عز وجل، أما في حالة الدعوة إلى الإسلام فهو أمر واضح لجميع المسلمين من على هدى ومن على الضلالة.
لقد درسنا السيرة النبوية وعصور الخلافة وما بعدها ولم نر منهم أحدًا قد اتصف بصفة الداعية بين المسلمين، ولكن كانت الذكرى والنصيحة والموعظة هي الأصل المتداول بينهم، وكان هناك العلماء الذين يستفتونهم الناس ويفتونهم، ويتخولون الناس بالموعظة، ويبثون فيهم العلم النافع، و يزكونهم.
كما أننا لم نعرف عنهم أن هناك طرق حلزونية ولولبية يسلكها أحدهم بدعوى الدعوة، وخاصة إذا كان ذلك بين المسلمين، إن الإيمان الذي في قلوب المسلمين يحتاج إلى من يوقظه بين الفينة والفينة بالموعظة والتذكرة ثم ينصرف كل منهم في حال سبيله، ولا سلطان لأحدهم على الآخر.
أمجد أبو العلا
تعليقات