مفاتيح إقتصادية (1) : المعلومة
في الوقت كان فيه أبناء Mayer Amschel
Rothschild ينتشرون في أنحاء القارة العجوز كانت مساحة تأثير الجيل الثاني
من العائلة تتوسع كذلك ، و لعل أكبر تجلي لذلك هو خلقهم لأسرع نظام إتصال و
نقل معلومات في أوروبا 1 ، حيث إنتشر عملاء العائلة في كل أنحاء أوروبا لجمع المعلومات الخاصة بالأسواق المالية و غيرها .
شبكة المعلومات هذه كانت لها أهمية
إستراتيجية مهمة جدا حيث أنها مكنت أبناء ماير المنتشرين في المراكز
المالية الأوروبية كـ لندن ، باريس ، فرانكفورت و أمستردام من مشاركة
تحركات سوق المال لتوفر لهم تقدما كبيرا على جميع المنافسيين .
يزعم John Reeves في كتابه ” عائلة روتشيلد :
الحكم الإقتصادي للأمم ” أن أحد أسباب نجاح Nathan Mayer Rothschild الإبن
الأنجب لماير و المسؤول عن أعمال العائلة في لندن هو خاصية السرية التي
كانت تتمتع بها كل تعاملاته و أنه كان قادرا بإمتلاكه المعلومة قبل غيره
عبر شبكة المعلومات الذي أنشأها هو و إخوته على التلاعب بها و إستغلالها
بأفضل الطرق .
” لقد كان دائما الهم الأول للعائلة هو تأمين المعلومة في أسرع وقت ممكن حينما يتعلق الأمر بالأحداث الكبيرة ” 2
أجمع المؤرخون على أن معركة واترلو3
كانت معركة حاسمة في تاريخ القارة الأوروبية ، ففي حالة فوز نابوليون
سيقوي ذلك موقفه بعد عودته للسلطة و سيشكل دفعة قوية للإمبراطورية الفرنسية
الأولى كما سيجعل المملكة المتحدة في وضع لا تحسد عليه خصوصا بعد الدين
الذي راكمته من أجل الحرب عن طريق إصدارها للسندات. أما في حالة فوز دوك
Wellington فذلك سيعني تربع المملكة المتحدة على عرش أوروبا و القضاء على
منافستها الأكبر.
في الوقت الذي كان يستعد فيه الجيشان للمعركة
الحاسمة كان ناثان قد وضع عملاءه في أكثر الأماكن قربا إلى ساحة المعركة و
ربما داخل الجيشين لكي يكون أول من يعلم بتطورات الوضع على ساحة القتال .
بعد يوم من المعركة كان أحد عملاء ناثان يركب
قاربا متجها إلى مدينة فولكيتون ليقابل ناثان شخصيا و معه تقرير عن نتائج
المعركة ، هذا التقرير هو الذي سيبني عليه ناثان القرار المناسب الذي يزعم
أن ستخذه في الوقت الأنسب. بعد الإجتماع إتجه ناثان إلى مدينة لندن و
تحديدا إلى البورصة اللندنية .
بعد وصوله إلى هناك إتجه كالعادة إلى العمود
الذي إعتاد الوقوف جانبه – لدرجة أنه ظل مقترنا بإسمه حتى الآن – بوجه
متجهم و ملامح باردة و بدأ في بيع بعض سندات الخزينة !
لم يكن هذا حدثا عاديا بالنسبة للمتواجدين
فالكل يعلم أن ناثان هو صاحب أكبر شبكة معلومات في العالم و ملامحه لم تكن
إلا إشارة إلتقطها الجميع ، و ما إن خرج ناثان من البورصة حتى تعالى الضجيج
:
- ناثان يعرف النتيجة … لهذا السبب باع السندات … لقد فاز نابوليون !
إنتشر الخبر كالنار في الهشيم جاعلا الناس في
حالة من الهلع مما دفعهم لبيع كل السندات التي بحوزتهم في محاولة لتقليل
الخسائر ، فخسارة المملكة المتحدة تعني أنها ستتحمل ديونا ضخمة قد لا
تستطيع تسديدها ، نتيجة ذلك معروفة و هي إنخفاض قيمة السندات. و مع مرور
الوقت و إستمرار عمليات البيع إزداد الوضع سوءا و إستمرت قيمة السندات في
الإنخفاض حتى وصلت إلى أدنى قيمها !
حينها فقط وجه ناثان أمره لعملاءه :
- إشتروا كل السندات !!
كيف ؟ لماذا ؟ الجواب كان يتلخص في الأخبار الرسمية التي وصلت بعد ساعات ، لقد هُزم جيش نابوليون !
- لكن ناثان كان يبيع سنداته … كيف يعقل ذلك ؟ …. لقد خدعنا ناثان !
طبعا بعد أن إشترى ناثان السندات و وصل الخبر
الرسمي بفوز المملكة في الحرب عادة قيمة السندات للإرتفاع مما جعله يحقق
أرباحا قدرها البعض بـ 600 مليون جنيه إسترليني و زعم البعض الآخر أن ثروته
تضاعفت أكثر من عشرين مرة !!
بغض النظر عن كل الجدالات حول كيفية إستفادة
ناثان روتشيلد من معركة واترلو ، إلا أنه يا يمكن أن يتفق الجميع عليه أنه
لولا شبكة المعلومات العملاقة التي أنشأتها العائلة لما وصلت لقوتها
الحالية .
لم يحتج ناثان إلى توجيه المعركة كما يزعم
البعض ، فقد كان يستطيع أن يستفيد منها في كل الأحوال فشبكة علاقاته هو و
إخوته كانت كبيرة و ممتدة بامتداد القارة الأوروبية مكنته بأي يمتلك
المعلومات الخاصة بسوق المال قبل أي أحد آخر ، فإذا كان ثمن الذهب في باريس
أعلى من ثمنه في لندن يستطيع ناثان أن يحقق أرباحا فقط من فرق السعر.
كانت المعلومة و لا تزال تشكل دورا مهما جدا
في عالم المال ، فمن يمتلكها و يتلاعب بها يستطيع إلحاق أضرار بليغة
بالمنافسين أو تحقيق أرباح طائلة عن طريق لجوءه إلى سوق الخيارات
« Options » 5 مثلا. و قد أشار إلى ذلك الدكتور صلاح جودة في مقاله ” الشائعات و أثرها على الإقتصاد “5 مستشهدا بوقائع أدى فيها التلاعب بالمعلومات و إطلاق الشائعات إلى نتائج كارثية وصلت إلى الإفلاس.
في النهاية يجب الإشارة أن أهمية المعلومات و
السيطرة على قنوات وصولها إلى الناس ورقة بالغة الأهمية في أي صراع ،
سواءا كان إقتصاديا أو سياسيا أو حتى عسكريا، لذا فالتمكن من مهارات جمع
المعلومة و تنقيحها و تبيين الصحيح من المزيف منها إضافة إلى تحليل
المعلومات الصحيحة و معرفة كيفية الإستفادة منها هي مهارات يجب أن يتوفر
عليها كل من يريد أن يبني مشروعا ناجحا ، و خصوصا في عالم السياسة و
الإقتصاد .
ـــــــــ
The Rothschilds: The Financial Rulers of Nations 2ص 94
تعليقات