بورخيس: ما قرأته أهم بكثيرٍ مما كتبته
عن القراءة بصفتها أسُّ التجربة الكتابية، يقول بورخيس:
إنني أعتبر نفسي قارئًا في الأساس. وقد
تجرات، كما تعرفون، على الكتابة؛ ولكنني أظن أن ما قرأته أهم بكثير مما
كتبته، فالمرء يقرأ ما يرغب فيه، لكنه لا يكتب ما يرغب فيه، إنما ما
يستطيعه.
في بحثهِ عن اللغة، يرى بورخيس بأن الأسلوب المنمّق، والعبارات المزخرفة، هي خطأ:
عندما بدأتُ الكتابة، كنت أقول على الدوام
لنفسي إنّ أفكاري سطحية جدًا، وإن القارئ سيزدريني إذا ما اطلع عليها.
ولهذا كنت أتقنّع متنكرًا. حاولت، في البدء، أن أكون كاتبًا إسبانيًّا من
القرن السابع عشر على قدر من المعرفة باللاتينية. كانت معرفتي باللاتينية
أقرب إلى الضئيلة. وعندما لم أعد أغتبر نفسي كاتبًا إسبانيًّا من القرن
السابع عشر، أخفقتْ بالكامل محاولاتي في أن أكون السير توماس براون
بالإسبانية. ربما لأن هذه الشخصيات التي تقمصتها قد أنتجت “دزينة” من
السطور الرنانة. لا شك في أنني أتطلع إلى الأسلوب منمق الصنعة. إلى عبارات
تزينية. إنني أفكر الآن في أن أسلوب الصنعة المنمقة هو خطأ، لأنه علامة
غرور، والقارئ يعتبره غرور. وإذا كان القارئ يفكر في أن لديك عيبًا
أخلاقيًا، فليس هناك أدنى مسوغ يدفعه إلى أن يقدّرك أو يتحملك.
عن العلاقة الوثيقة بين الكتابة الإبداعية والمخيّلة، يقول بورخيس:
ما الذي يعنيه بالنسبة لي أن أكون كاتبًا؟
يعني ببساطة أن أكون مخلصًا لمخيلتي. عندما أكتب شيئًا لا أطرحه على أنه
حقيقي موضوعيًا (فالموضوعي الخالص هو حبكة من الظروف والأحداث)، وإنما
حقيقي لأنه وفيّ لشيء أعمق. عندما أكتب قصة، أكتبها لأني مؤمن بها: ليس كما
يؤمن أحدنا بشيء تاريخي محض، وإنما بدقة أكبر، مثلما يؤمن أحدنا بحلم أو
بفكرة.
وإذا كان لا بدّ من توجيه نصيحة إلى كاتبٍ ما، فإن نصيحة بورخيس هي:
إذا كان لا بد من توجيه نصيحة إلى كاتب ما
(ولا أظن أن أحدًا يحتاجها، لأن كل واحد عليه أن يتعلم بنفسه)، فإنني أقول
له ببساطة ما يلي؛ أدعوه إلى الإقلال قدر الإمكان من تنقيح عمله.
فيما يتعلق بالقارئ الضمني، أو الشخص الذي يفكّر فيه بورخيس أثناء الكتابة، يقول:
عندما أكتب لا أفكر في القارئ (لأن القارئ
شخصية متخيلة) ولا أفكر في نفسي (ربما لأنني أنا شخصية متخيلة أيضًا)،
وإنما أفكر في ما أريد أطلاقه، وأفعل ما أستطيعه كي لا أفسده.
عن اللغة بصفتها أرضًا مشتركة من الدلالات بين القارئ والكاتب، يقول بورخيس:
الكلمات هي رموز لذكريات مشتركة. وإذا ما
استخدمتُ كلمة، فلا بد أن تكون لديكم تجربة ما عما تمثله هذه الكلمة. وإلا
فإن الكلمة لن تعني لكم شيئًا.
عن الكسل والملل وابتعاد بورخيس عن الكتابة الروائية، يقول:
لقد سألوني لماذا لم أحاول كتابة رواية
قط. الكسل، بالطبع، هو التفسير الأول. ولكن هناك تفسيرًا آخر، فأنا لم أقرأ
رواية قط دون أن ينتابني إحساس بالملل. فالرواية تتضمن مادة حشوة؛ وأظن،
من خلال معرفتي، أنه يمكن لمادة الحشو أن تكون جزءًا جوهريًا من الرواية.
عن الكاتب بصفته موصّلاً حراريًا للتجربة الحلمية، وضرورة الإخلاص لنقل هذه التجربة كما هي، يقول بورخيس:
عندما أكتب (ولكنني ربما لا أكون مثالاً
جيدًا، وإنما تحذير مروع فقط) أحاول أن أنسى كل شيء عن نفسي. أنسى ظروفي
الشخصية. لا أحاول، مثلما حاولت في إحدى المرات، أن أكون “كاتبًا أمريكيًا
جنوبيًا”. وإنما أحاول نقل الحلم وحسب. وإذا كان الحلم مشوشًا (وهو يكون
كذلك عادة في حالتي)، لا أحاول تجميله، ولا حتى فهمه.
تعليقات