الطريق إلى داعش: خريف المملكة (2-5)
شمس محمود
قدم السوفيت إلى رئيس الوزراء محمد داوود (1953-1963) القريب من السوفيت 100 مليون دولار كمساعدة مشروطة في الخطة الخمسية الأولى والتي تحاول أن تغازل الغرب حتى تحدث توازنًا داخليًا وهو ما حاول فعله داوود في الخطة الخمسية الثانية حين طلب المساعدة من الدول الغربية حين أرسل وزير خارجيته إلى أمريكا من أجل تمويل الخطة الخمسية الثانية لكن الأمريكيين رفضوا العرض المقدم.
ويمكن عزو ذلك إلى قربهم من فترة التعافي بعد عهد الكساد الكبير 1930-1940 فأزمة الكساد الكبير في أمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا أدت بطبيعتها إلى صعود النفوذ السوفيتي وأن الغرب والقيادة الأمريكية تدرك تمامًا أن دخولها في معسكر وضع السوفيت فيه القدم الأولى سوف يتطلب إنفاقات هائلة وحركة سياسية ضخمة إذا أرادوا السيطرة أو خلق حالة من توازن القوى في هذا المعسكر بالرغم من وجود المجاعة الكبرى في الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت تقريبًا 1931-1933 ولكن طريقة الإدارة الغربية تختلف بشكل جذري عن طريقة تعامل السوفيت مع هكذا أزمات.
فكان الأسهل تقديم مساعدات عسكرية إلى باكستان في ديسمبر عام 1953 بعد مجيء الرئيس ايزنهور وتعيينه وزير خارجيته جون فوستر دالاس المُعادي بشكل قوي للشيوعية لإيجاد شريك على الجهة المقابلة للنفوذ السوفيتي في أفغانستان وتم هذا بشكل قوي بعد تعيين الجنرال محمد أيوب خان محمد علي بوغرا صديق الأمريكيين والسفير الباكستاني لدى واشنطن عام 1952 رئيسًا للوزراء.
بدأت المساعدات الأمريكية في الدخول إلى باكستان واستمرت المساعدات العسكرية والاقتصادية تتزايد حتى وصلت بنهاية عقد الخمسينيات إلى 1.7 بليون دولار.
وفي المقابل دفعت الولايات المتحدة باكستان للانضمام لمنظمة معاهدة جنوب شرق آسيا في 1954، المعروفة باسم سياتو وحلف بغداد والذى كان من ضمن بنوده أنه يحق لقوات أية دولة من دول الحلف أن تحل في أي بلد أو أية دولة مشتركة في هذا الحلف إذا تطلب الأمر ذلك.
وكان من ضمن هذه الدول تركيا وإيران والعراق وباكستان، وكان هذا واضحًا من أجل تضييق الخناق على السوفيت والنفوذ الشيوعي.
أما أيوب خان الرئيس الباكستاني فكان همه هو الحصول على الدعم العسكري الذي يوفره الحلف لأعضائه حتى يتمكن من مواجهة الهند.
ومرة أخرى حين احتمال وجود صراع مسلح قريب مع باكستان فتوجه داوود مرة أخرى إلى السوفيت.
تدفقت المساعدات الروسية في إقامة مشاريع وشق طرق وإنشاء مطارات وسلحت القوات الأفغانية وتدفق معها الخبراء السوفيت (وكلمة الخبراء هي كلمة سر السيطرة مثل كلمة قواعد عسكرية أمريكية).
كان محمد داوود رئيس الوزراء ووزير الداخلية والدفاع (بن الأسرة الحاكمة) يميل بشكل كبير إلى روسيا رغم المحاولة الفاشلة في إحداث نوع من التوازن بين الغرب والسوفيت في أفغانستان وكان ظاهر شاه يميل إلى إحداث حالة من التوازن بين الغرب والسوفيت بل كان يميل هو الآخر بشكل كبير إلى الخندق الغربي فكلاهما يميل إلى طريقة الإدارة والحياة.
بدء المساعدات العسكرية السوفيتية لأفغانستان (1956)بعد رفض الولايات المتحدة الأمريكية بيع معدات عسكرية حديثة لأفغانستان (1953-1955)، وقعت أفغانستان في أغسطس عام 1956 مع السوفيت ودول أخرى من حلف وارسو اتفاقية لتزويد أفغانستان بالأسلحة وبمعدات حربية بقيمة 25 مليون دولار.
زار أفغانستان خرشوف وبولجانين في ديسمبر 1955 لتقديم القروض، والتي أعقبتها الطائرات والأسلحة.
ولما وجد ظاهر شاه أن لداوود مطامع في حكمه وكان داوود قد عين إخوته في مناصب كبيرة مثل منصب وزير الخارجية وآخر في منصب وزير المالية ويريد أن يقود البلد نحو الحكم الشيوعي الذي لابد وأن يطيح به فأعفاه من منصبه.
تم تعيين محمد يوسف كأول رئيس وزراء من خارج الأسرة الحاكمة بدلًا من داوود ولكن لم يتوقف النفوذ السوفيتي فالسوفيت في الخطة الخمسية (1962-1967) قدمت حوالي 632 مليون دولار أي ما يساوي 65% من المساعدات الخارجية لأفغانستان في الحين الذي وصلت فيه المساعدات الأمريكية إلى 32%.
شكّل يوسف حكومة انتقالية بدأت الخطة في وضع دستور للبلاد كان من ضمن ما جاء فيه السماح بإصدار صحف مستقلة أو تنتمي إلى أحزاب سياسية عدم السماح للأسرة الحاكمة بالعمل السياسي الحزبي حتى يمنع وصولهم للمناصب العليا في البلاد ويكون البرلمان مصدر السلطات.
ودعا الملك إلى تنظيم الحياة السياسية وتشكيل الأحزاب وإجراء انتخابات حرة، وطالب بمجانية التعليم وتضمينها في الدستور الجديد. وهنا وجدت الأحزاب الشيوعية الفرصة سانحة للانقضاض على السلطة فهي الأحزاب المنظمة في ذلك الوقت ولديها الدعم السوفيتي وكان حزب الشعب الشيوعي بقيادة نور الدين محمد تراقي على جناحين هما جناح خلق بزعامة تراقي وجناج وجناج برجيم بزعامة كارمل بابراك على أتم استعداد لذلك وذلك لتوحيد القوى الشيوعية في أفغانستان استعدادًا لانتخابات سبتمبر 1965.
يناير 1965 يعقد نور محمد تراقي اجتماعًا علنيًا للحزب واختير تراقي أمينًا عامًا للحزب وتم الاتفاق على النزول بستة أعضاء من الحزب منهم نور محمد تراقي وحفيظ الله أمين فنجح أربعة من هؤلاء وسقط كل من تراقي وأمين.
في عام 1966 طبع العدد الأول من مجلة حزب خلق الشيوعي إلا أنه صدر قرار من مجلس النواب من نفس العام في شهر مايو لأنهم أدركوا خطورة الفكر الماركسي الشيوعي على قيم البلاد أو قل على نظام الحكم فيها إلا أن الجريدة ظلت تصدر من داخل السفارة السوفيتية.
كان من جراء ذلك انقسام داخل الحزب الشيوعي حزب الشعب في طريقة التعامل مع الملك والشعب فحاول بابراك كارمل التحايل والتقرب للملك في الحين الذي أراد فيه تراقي المواجهة وأن ما يفعله كارمل يعد ردة خطيرة عن القيم الشيوعية.
وكان من جراء هذا أن طلب الحزب من كارمل الاستقالة من منصب العضو الدائم في اللجنة المركزية في سبتمبر عام 1966م.
استقال كارمل وطلب من مير أكبر خبير الأب الروحي للماركسية التعاون معه لإقامة حزب برجيم مع آنا هيتا راتب زادة لينقسم حزب الشعب الشيوعي إلى برجيم وعلى رأسه كارمل وزادة وفي الجناح الآخر خلف وعلى رأسه تراقي وأمين.
الآن أصبح الأمر مهيئًا للانقلاب؟!
داوود الذي كان رئيسًا للوزراء ووزيرًا للدفاع والداخلية استطاع تسكين الكوادر الشيوعية هناك وأيضًا استطاع تسكين الكوادر الشيوعية في مفاصل الدولة.
الشيوعيون يدينون بالولاء للسوفيت ويحركهم في الداخل قادة الحزب الشيوعي بجناحيه برجيم وخلق.
الشيوعيون أكثر القوى تنظيمًا لأنه دائمًا أو غالبًا الأقليات تكون الأكثر تنظيمًا والشعب لا يعبأ كثيرًا بالصراعات الحزبية أو هكذا تمرر له حتى يسكن لاستشعاره أن الحرب ليست ضده إنما هي مجرد صراعات على السلطة.
اللعبة الدائمة للحكومات الشمولية
إذا أردت أن تحارب فكرًا فأخرج له فكرًا مضادًا لا تؤمن أنت به ثم واله بشدة ثم انتقم منه في النهاية أو يكون هو العفريت الذي لم يستطع من قام بتحضيره أن يصرفه.
داوود يشعر بأحقيته في السلطة وهو المقال من رئاسة الوزراء وهو ابن الأسرة الحاكمة ليخلفه رجل ليس من الأسرة الحاكمة، وداوود هو الواجهة المناسبة التي لن تغضب الشعب الأفغاني فهو ابن الأسرة الحاكمة والمجيء به بعد أحداث انقلاب لن يواجه باستنكار كبير إذا ما قورن بصعود قيادات التيار الشيوعي ليحكموا البلاد على الرغم من أنهم في الطليعة الحربية والسياسية والطلابية داخل أفغانستان.
اندلعت مظاهرات طلابية في عام 1969، وأدت إلى وقف الدراسة، وضربت المجاعة أفغانستان (1970-1972) وهو ما أدى إلى هلاك عشرات الآلاف من البشر.
استطاع محمد داوود بتنسيق بين الروس والكوادر الشيوعية في أفغانستان أن يقوم بانقلاب عسكري في عام 1973 والشاه في إيطاليا للعلاج، ورغم المقاومة العنيفة من مؤيدي الشاه عند حصار القصر الملكي إلا أن داوود تمكن من البلاد، وألغى الملكية وأعلن الجمهورية ونصب نفسه رئيسًا لها، وإقامة جمهورية أفغانستان على أساس دستور جديد وحزب واحد.
وأعلن داوود أن سبب قيامه بهذا الانقلاب هو كثرة الفساد الإداري وسوء استخدام السلطة وقدم موسى شفيق آخر رئيس وزراء في العهد الملكي للمحاكمة بتهمة تلقي أموال طائلة من إيران وهنا فصل جديد من هذه القصة.
والسؤال: هل مر عليك هذا في السعودية؟ هل تعرف من قتل الملك فيصل ولماذا؟ هل تعرف كيف حدثت الانقلابات في العراق وسوريا والجزائر والسودان واليمن وليبيا وموريتانيا ومصر؟ ولماذا؟ وهل كان تحركًا عفويًا أم تحركًا مدعومًا من قوى معينة كل منها يسعى إلى تحقيق النفوذ الأوسع والسيطرة العظمى وصعود أيديولوجيته الخاصة؟
وتستطيع من خلال التتبع أن ترى خيوطًا متصلة ببعضها لها لاعبون أساسيون ومصالح متطابقة في كل حقبة لكن فقط تختلف الأسماء والمنشورات والإذاعات الثورية قبل أن ينحر الشعب من جديد على يد الثوار الجدد أو الانقلابيين الجدد بزعم التحرر تارة من الملكية وتارة من الأيديولوجية فهل تحررنا حقًا من حكم الأسر الحاكمة؟ وهل وجدت شعوبنا بعد هذا الأمن والاستقرار والصعود؟.
الطريق إلي داعش (3-5)
الطريق إلي داعش (4-5)
الطريق إلي داعش (5-5)
تعليقات