داعش وسفراؤها الملحدون


أحمد سامي

“في قضايا الإيمان عليك أن تبطل عقلك تمامًا ، وأن تصدق دون قيد أو شرط وأن تتبع علماء السلف ، واعلم أنه لا يوجد دليل على وجود الله ، ولكن عليك أن تتيقن أنه موجود”
 
قد تظن عزيزي القارئ أن قائل هذه العبارة هو أحد الملحدين الذين جهلوا حقيقة الإيمان فانسلخوا منه، ولكن مع الأسف ، مع الحزن ، مع الألم تلك هي عقيدة من باتوا يعرفون بالدواعش ، سواء أكانوا أولئك الذين يظهرون في مقاطع الفزع والذعر يذبحون هذا ويرجمون تلك ، أم المؤمنون المتفقون معهم قولاً أو فعلاً أو تقريرًا.

والمقاربة هنا تثير الدهشة والفزع في الوقت ذاته ، إذ توافق الملحدون والدواعش على أن تحييد العقل هو أحد أركان الدين ، ليس هذا فحسب بل إنك كلما تفقهت أكثر في الدين كلما هجرت عقلك أكثر، فالفقيه (حاليًا) هو من استعمل عقله فقط في تجميع أقوال من ماتوا من “علماء السلف”. فليس الدين بالعقل ولا بالعاطفة وإنما بالدليل ، والدليل هو أقوال العلماء (وليس كما يبدو القرآن والسنة) وإنما القرآن والسنة بتفسير وفهم علماء السلف.
فبالرغم من افتقار عصرهم لأدواتنا الحديثة في البحث والتحليل وجمع المعلومات ، وبالرغم من أنهم رجال ونحن رجال ، وبالرغم من طوفان الفتن الذي ضرب عصرهم وقتلهم بعضًا ومعاركهم السياسية التي لا شأن للدعوة بها ، وفساد حكامهم إلا أنهم بلاشك أسمى منا أرواحًا وأرهف منا حسًّا وأفقه منا علمًا وأعلى منا شأنـًا ، وذلك لمصادفة كونية عجيبة تسببت في ظهور جينات النبوغ عندهم بعد وفاة النبي (ص) بعشرات السنين ، ولسبب مجهول اندثرت تلك الجينات فلم ولن تجود أرحام النساء بأمثالهم.
وهنا أيضًا يبدو ذلك التوافق جليًّا من جانب الملحدين ، فإن أنكرت حد الرجم أو حد الردة مثلاً باعتبارهم لم يردوا في القرآن تجد الملحدين يسوقون لك كلام “علماء السلف” الذي يقرون فيه بحد الرجم والآية “المنسوخة” ثم يفضون المجلس بسؤالهم الذهبي المفضل: هل أصدقك أنت وأكذب ابن تيمية؟ أأنت أعلم بتفسير القرآن أم ابن كثير؟
والخلاصة أن الدواعش يدافعون عن وحشيتهم وجرائمهم الحقيرة باعتبارها من أصل الدين ، والملحدون يزايدون على الدواعش ويؤكدون على ادعاءاتهم تلك ، مع وافر من القص واللصق لاجتهادات نوابغ السلف ، مؤكدين أن هذا هو الإسلام فعلاً. وعلى سبيل النصيحة، إن قامت فعلاً دولة داعش واعترفت بها بعض الدول فعليهم أن يتخذوا بعض الملحدين كسفراء لهم في تلك الدول.
أما المسلم الرافض لفكر داعش وممارساتهم فهو في نظر الملحدين مجرد مسلم “كيوت” وسطي خالي الدسم، لا يعلم دينه جيدًا أو يعلمه ولكنه يستحيي أن يظهره على وجهه الحقيقي ، ويسعى دائمًا إلى تجميل وجه الإسلام بالباطل، وعندها تكون معركته الحقيقية مع الدواعش أنفسهم؛ لأنه بدل دينه وأنكر ما هو “معلوم” من الدين بالضرورة، فهو أولى بالقصاص حتى من الملحدين لأنه مرتد أو منافق.
إن القاسم المشترك الأعظم – في رأيي الشخصي- بين داعش والملحدين هو أن كليهما لديه نفس الرؤية عن الله، ذلك الإله التخيلي الذي لا وجود له إلا في خيالات الدواعش المريضة وأمهات كتبهم المسمومة، آمنت به داعش وكفر به الملحدون.
قررت داعش تعطيل العقل واتباع النقل على غير بصيرة، وقرر الملحدون تعطيل العقل ونبذ الدين بالكلية.
رسالة إلى الدواعش، ما تفعلونه هو فقط تشويه صورة المسلمين لدى العالم وليس صورة الإسلام. أنتم حفنة من المجرمين الضالين المضللين، وأشد خطرًا على الإسلام من المنافقين والمشركين. لا يستقيم أن يهب الله لنا عقلاً ثم يسنّ شرائع تخالف هذا العقل. قال سبحانه “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي”. على بصيرة!
رسالة إلى صديقي الملحد، سمّني ما شئت، مسلم كيوت، مسلم وسطي، متأسلم، صدقني لست أهتم كثيرًا بتوصيفك لي فأنا أعبد الله بعقلي أولاً لأنه هو من سيحاسبني في الآخرة، وسأجادل عن نفسي يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
لست بحاجة لأن أدافع عن الإسلام لأن له ربًا يحميه، ولن أنزل في مظاهرات لأثبت لك أنني مناهض لفكر وممارسات داعش وأنني لست خجلانـًا من ديني كما تظن لاقتناعي الداخلي أنهم يمثلون الإسلام فعلاً، فالفكر الديني لا يتبدل بالمظاهرات بل بالفكر المضاد كما يقوم بذلك كثير من المفكرين الإسلاميين عبر كل القنوات الإعلامية والمنابر المتاحة.
اعلم صديقي الملحد أن العديد من العلماء “العقلاء” اصطدموا بأفكار الدواعش من مئات السنين وإلى الآن واعترضوا عليها وأعملوا عقولهم، ومنهم الإمام محمد عبده ونصر أبو زيد وعدنان إبراهيم وفرج فودة ، ولكنهم لم يلحدوا فماذا فعلت أنت عندما وجدت ما لم تتقبل في الدين، هل اجتهدت في البحث؟ هل أرهقت عقلك في سبيل الحق؟ أم آثرت الراحة وأخلدت إلى الأرض؟
كل الشكر لداعش وسفرائهم من الملحدين على تعاونهم غير المقصود في بلورة حقيقة الدين والإيمان وتصحيح المسار الذهني للمؤمنين الحائرين، الآن علم المؤمنون متلازمة العقل والقلب والإيمان على النحو الصحيح.
قال الله “قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ"

Source Link

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماهي السادومازوشية فلسفياً ونفسياً؟

" منتصف آيار " .. غسان كنفاني

متن الأربعين النووية