لماذا يمكن لداعش أن تدمر نفسها
يبدو أن حظوظ الجماعة المتطرفة
والعنيفة المعروفة بعدة أسماء مثل داعش والدولة الإسلامية قد تغيرت بشكل
ملحوظ خلال الأشهر القليلة الماضية. هذا الصيف كانت الجماعة تُصور عادة،
وسط كثير من الإنذارات، كقوة ماحقة لا تتوقف، وتسلب الكثير من الأرض حتى
أنها كانت خطرًا على بغداد وما هو أبعد منها. ولكن التقدم الذي كان مخيفًا
أن تتابعه على الخرائط في الصحف قد توقف. توقف الطاغوت. هناك نقاش لا ينتهي
حول أسباب تغير هذا الزخم، بدءًا من التدابير العسكرية التي اتخذتها
الولايات المتحدة وحتى السياسات الأكثر استنارة بشكل ما للحكومة المركزية
العراقية. هذه التأثيرات وغيرها لها آثارها، ولكن الظاهرة الأكبر لتراجع
داعش - ليس فقط التراجع الذي حدث ولكن الذي سيأتي بعد- يمكن تفسيره بشكل
أساسي من خلال سياسات وممارسات الجماعة.
الأساليب البغيضة واللاإنسانية للجماعة هي جزء رئيسي من
التفسير. وكما ننفر نحن من مثل هذه الأساليب، ليس غريبًا أن أغلبية
المواطنين في الشرق الأوسط ينفرون منها أيضًا. أساليب مثل قتل الأسرى
المصحوب بتغطية إعلامية مكثفة، إلى جانب ترويع خصوم داعش، تزيد من بروز
الجماعة وربما تعجب الأجانب الراغبين في الالتحاق بهم بإظهار داعش
باعتبارها الأكثر شرًا والأشرس والتنظيم الأهم في الصراعات في العراق
وسوريا. ولكن العيش تحت حكم جماعة وحشية قد يكون على الأقل منفرًا للسكان
المحليين كما نشاهده نحن من بعيد. مثل هذه الطريقة لممارسة السلطة محليًا
ليست في النهاية وسيلة جيدة لكسب التأييد. رأينا رد فعل مماثل في مرحلة
مبكرة من الحرب الأهلية العراقية.
وحري بنا أن نتعلم ما في وسعنا، كما يحاول هؤلاء المكلفون
بمواجهة داعش مباشرة، عن أصل الجاذبية التي تملكها هذه الجماعة، وبخاصة عن
الأفكار الجذابة التي تقدمها. الخبر السار هو أن داعش بالكاد تقدم أي
أفكار. لا يمكن أن تصبح قدوة أيدولوجية كما فعل أسامة بن لادن وتنظيم
القاعدة، لأن داعش لا تقدم شيئًا أصيلًا كفكرة أسامة بن لادن عن ضرب العدو
البعيد كوسيلة لهزيمة الأعداء القريبين المكروهين في النهاية. جاذبية داعش
لا تقوم على الأيدولوجيا ولكن على الحقائق القائمة الوحشية والمباشرة على
الأرض. تُختزل تلك الجاذبية في مبدأ أن الجميع يحبون الفائز. ولكن داعش
توقفت عن الفوز. إنها مثل سمكة قرش يجب أن تواصل التحرك من أجل البقاء،
ولكنها لا تتحرك إلى الأمام.
تم النظر على نطاق واسع إلى تأسيس داعش لدويلة فعلية باعتباره
إنجازًا وعلامة على القوة، ولكنها أيضًا نقطة ضعف. إذا كنت تدير دولة، فمن
المتوقع أن تقوم بتشغيل القطارات في موعدها، وسوف تفقد شعبيتك إذا لم
تفعل. أظهرت داعش افتقارها للقدرة على إدارة دولة، والسكان في المناطق التي
تسيطر عليها بما في ذلك الرقة في سوريا، المدينة الكبرى التي سيطرت عليها
لأطول مدة ، يعانون من انهيار الخدمات العامة.
بالنسبة لقيادة داعش، تمثل محاولة إدارة الدويلة، والفاشلة رغم ذلك،
استنزافًا للانتباه وللموارد التي يمكن استخدامها، على خلاف ذلك، للتوسع.
إن إعلان الخلافة، على الرغم مما له من بعض القيمة للجماعة في
إقناع وجذب المجندين الأجانب، فإنه يفتقر إلى الإقرار والاعتراف الذي من
المفترض أن تحظى به مثل هذه الخطوة في نظر الغالبية العظمى من المسلمين.
تجنب المشاهير من علماء المسلمين والقيادات الدينية أي شيء يلمح حتى
بالاعتراف. قام بعض السلفيين الأصوليين بالربط حتى بين داعش وأفعالها وبين
الخوارج في عهد النبي. إلى حد النظر إلى الخلافة المعلنة باعتبارها اغتصاب
لتطلعات المسلمين وليس وفاء لها، فإن إعلان الخلافة سيتحول إلى خسارة أكثر
من كونه مكسبًا.
وعندما يضر عدو بقضيته الخاصة، فإن أكثر الأمور فعالية بشكل
عام هي التوقف جانبًا وعدم الوقوف في طريقه. ينطبق ذلك على النقاش السياسي،
والحروب الأهلية، وأشكال أخرى عديدة من الصراع. لا يمكن للولايات المتحدة
أن تخرج تمامًا من هذه القضية، بقدر ما يمكن أن تفعل بضعة أشياء، ستحد
تكتيكيًا وتدريجيًا من الضرر الذي تسببه داعش على المدى القصير. ولكن
بالنظر إلى المدى الطويل وبرؤية أكثر استراتيجية تدرك كيف أن داعش تضر
بقضيتها، فإن الولايات المتحدة إذا فعلت القليل بدلًا من أن تفعل الكثير (
وبخاصة الكثير المرئي والحركي) فإنها ستكون في الطريق الأكثر حكمة. إن خلق
نقاط جديدة من الجدل والأضرار الجانبية، على الأساس الذي يمكن لداعش أن
تصنع منه جاذبية جديدة، يميل إلى إبطاء عملية تمهيد الجماعة لانحدارها
الذاتي، ويعرض الولايات المتحدة أيضًا لأن تكون هدفًا مباشرًا لأي ضرر
ما تزال الجماعة قادرة على إلحاقه.
تعليقات