أسلوب حياة بائعة الهوى في القاهرة في مطلع القرن العشرين

ينتهي آخر رجل منها، تنهض مشعثة الشعر خائرة القوى، بعد رقادها في الحُفرة الترابية المخصصة لها في الأرض لهذا الغرض. تجمع الزجاجات الصغيرة الشفافة، بعد أن ملأتها بسوائل الرجال الذين قضوا وترهم منها هذه الليلة، ثم تذهب حاملة الزجاجات بخوف وحذر شديدين، وتسلمها إلى أحدهم. تأخذ مقابلها بعضاً من البصل وقطعة من الجبن مع عدد محدود من أرغفة الخبز. لم يكن ما قرأتموه مشهداً من فيلم، أو جزءاً من سيناريو، أو حتى رواية، بل واقعاً قاهراً عاشته فتيات احترفن الدعارة في مصر في مطلع القرن العشرين. في المحافظات، سكنوا الأطراف، وفي القاهرة احتلوا قلب المدينة. في كتابه "البغايا في مصر... دراسة تاريخية اجتماعية" يروي الباحث والمؤرخ عماد هلال (1834-1949)، طبيعة حياة بائعات الهوى في تلك الفترة. فقد سكنّ في أحياء معينة أو على أطراف المدينة، ولم يكن يسمح لهن بالسكن داخل الأحياء، في محافظات الصعيد أو الأرياف. أما في القاهرة، فكانت أهم بؤر تجمعاتهن في قلب المدينة. وفي محافظة الإسكندرية، كان عدد بائعات الهوى يفوق بكثير عددهن في القاهرة، لطبيعة الإسكندرية كميناء، ووجود العديد من الجنسيات الأجنبية ...